الأخبار
الأربعاء 02 سبتمبر، 2015

الذكرى 78 لانتفاضة ماء بوفكران

الذكرى 78 لانتفاضة ماء بوفكران

تخلد الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وساكنة مدينة مكناس ومعها الشعب المغربي كافة، بكل فخر واعتزاز، في ثاني شتنبر من كل سنة ذكرى انتفاضة ماء بوفكران أو"معركة "الماء لحلو" البطولية (الذكرى ال 78 هذه السنة )،التي جسدت أرقى ملاحم الشهامة والإباء وأنبل صور التضحية والوفاء والترابط المتين بين العرش والشعب .

وتشكل هذه الذكرى فرصة سانحة لإبراز ما يختزنه تاريخ المغرب التليد من كنوز ثمينة تشهد على ثراء الذاكرة الوطنية الطافحة بالأمجاد والبطولات، وكذا مناسبة لمواصلة العمل لصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية وأمجاد الكفاح الوطني التي تستلهم منها الناشئة والأجيال الصاعدة أسباب بناء وإعلاء صروح البلاد وتتمسك بأقباسها للذود عن ثوابتها ومقدساتها. 

وقد انطلقت أولى شرارة انتفاضة ماء بوفكران في مستهل شهر شتنبر من سنة 1937 عندما اصطدمت ساكنة مكناسة الزيتون بغلاة المستوطنين والمعمرين المتطاولين على مياه هذا الوادي، فكان رد الساكنة مدعوما بالحركة الوطنية "مزلزلا" هز أركان المستعمر وأربك مخططاته جراء المواجهة المباشرة التي خاضتها ضد قوات الاحتلال بعد إصدار السلطات الاستعمارية الفرنسية لقرار وزاري في 12 نونبر 1936، ونشرته بالجريدة الرسمية عدد 1268 بتاريخ 12 أبريل 1937 لتوزيع ماء وادي بوفكران بين المستوطنين المعمرين وسكان المدينة وإحداث لجنة لتنفيذ هذا القرار في 12 فبراير1937 . 

وترتب على هذا القرار تفاقم أحوال ساكنة مكناس، لاسيما وأن المجتمع المكناسي كان يعيش ظرفية صعبة متمثلة في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي مست مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية مع تسلط الإدارة الاستعمارية في فرض ضرائب مجحفة، وحرمان السكان والتنكيل بهم وتهجيرهم من المدينة القديمة إلى المدينة الجديدة بغية الاستحواذ على أخصب الأراضي بنواحي المدينة.

وأمام هذا الوضع بدت طلائع المقاومين من أبناء مدينة مكناس بعد شحذ هممهم وتقوية عزائمهم وإلهاب حماسهم لخوض غمار المواجهة المباشرة ضد قوات الاحتلال الأجنبي في معركة الكرامة والمجد (معركة بوفكران)، بعدما تمادت السلطات الاستعمارية في تعنتها وتشبثها بقرارها الجائر والتمادي في تقليص صبيب مياه بوفكران وتحويله لصالح أهدافها التوسعية وحصره على المعمرين لتستفيد منه ضيعاتهم وكذا المرافق المدنية والعسكرية الفرنسية بالمدينة الجديدة في وقت كانت فيه حاجة السكان إلى هذه المياه متزايدة.

وبهذه المواجهة أصر المجاهدون بمكناس وغيرها من مناطق المغرب على سلوك خيار التحدي بنقل المعركة من الجبال والأرياف إلى المدن والقرى والانتقال من المواجهة المسلحة المتفرقة إلى مرحلة توحيد الجهود بين المواطنات والمواطنين وقادة الحركة الوطنية لانتزاع الحرية والاستقلال من المستعمر الغاشم بالمواجهة المسلحة مقرونة بالمقارعة السياسية الواعية، وتعبئة الجماهير الشعبية بالعديد من الحواضر المغربية إلى حين انتهاء عهد الحماية والحجر وبزوغ فجر الحرية والاستقلال. 

ولم تهدأ ثائرة المكناسيين في تجسيد مواقفهم النضالية التي تجلت مرة أخرى بقوة في معركة ماء بوفكران سنة 1937 فضلا عن الدور الوطني الكبير لرجالاتها في ملاحم النضال السياسي ونشر الوعي الوطني وإذكاء التعبئة وخوض غمار المواجهة المستميتة للوجود الاستعماري، بحيث كان لأبنائها حضور وازن في مناهضة ما سمي بالظهير البربري وفي المواقف النضالية للحركة الوطنية وفي تقديم وثيقة الاستقلال، لتتواصل إسهامات هذه الجهة في ملاحم الجهاد الأكبر المتجسد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبناء المغرب الجديد وإعلاء صروحه.

لقد أبانت مدينة مكناس عن أدوار بطولية مجيدة أربكت مخططات الوجود الاستعماري بها، فكانت تتويجا للمقاومة الشرسة التي خاضها المجاهدون بهذه المدينة ونواحيها منذ احتلالها سنة 1911 من طرف الجنرال "مواني" ، والتي سجلت خلالها قبائل المنطقة صفحات مشرقة من المقاومة لقبائل بني مطير وكروان وعرب سايس ضد القوات الغازية.

وتشكل هذه الذكرى مناسبة لاستحضار أمجاد ومكارم هذا الإقليم المجاهد واستعادة إسهاماته الخالدة وأدواره الرائدة في سبيل الحرية والاستقلال، وما كان ذلك ليتحقق لولا العروة الوثقى التي تجمع على الدوام وإلى الأبد بين الشعب المغربي الأبي والعرش العلوي المجيد.

وتخلد أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير ومعها الشعب المغربي كافة هذه الذكرى ليس فقط للافتخار بتاريخ المملكة التليد، ولكن أيضا من أجل صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية التي تعتبر" أمانة في أعناقنا، لأن تاريخنا أعز ممتلكاتنا، وهو ما يحتم علينا الائتمان عليه وتوثيقه وتدوينه وترسيخ ما يطفح به من دروس بليغة وقيمة"، وكذا " استلهام العبر وإبراز ما يختزنه تاريخ المملكة المجيد من كنوز ثمينة تشهد على ثراء الذاكرة الوطنية الطافحة بالأمجاد والبطولات وتلقين الأجيال الجديدة والناشئة تاريخ الكفاح الوطني المطبوع بالملاحم والمكرمات والأمجاد تنفيذا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الداعية إلى مواصلة الاحتفاء بأمجادنا وذكرياتنا الوطنية الخالدة وإلى استحضار أرواح شهدائنا الأبرار، شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية، والإشادة بأعمالهم الجليلة وبعطاءات وإسهامات كافة فئات المجتمع وشرائحه بمختلف المواقع في الملحمة العظيمة، ملحمة نيل الحرية والاستقلال وبناء الوطن".

(ومع-02/09/2015)