خطب صاحب الجلالة

نص الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة ال 19 للأيام الثقافية التيجانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه

حضرات السادة الأفاضل.

إنها لفرصة سانحة نغتنمها لنعبر لكم عن مدى تأثرنا البالغ بهذه المناسبة التي تتنزل فيها الرحمات الربانية وتنتشر فيه النفحات القدسية وتطمئن فيها النفوس والقلوب بذكر الله عز وجل ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
فقد أحسنتم ووفقتم حينما جعلتم موضوع الدورة التاسعة عشرة للأيام الثقافية التيجانية..'' تأبين والدنا المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ونور ضريحه وجعل جنات الفردوس مثواه'' فعبرتم بذلك عن صادق مودتكم وجميل محبتكم وعميق ما تكنونه من مشاعر الإخلاص والوفاء وحسن الموالاة والصفاء لهذا الملك العظيم.
حضرات السادة الأفاضل..

إن مما يتميز به البلدان الشقيقان .. المغرب والسينغال هو أن الإسلام قد استقر بهما استقرارا أمينا مكينا صاحبته معاني الوحدة والأخوة واجتماع الشمل وترصيص الصف أمام العواصف والزوابع. وكان من أهم ما ساعد على هذا الاستقرار ودفع إلى الازدهار والاستمرار اجتماعهما على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي. وقد توج ذلك وبلغ غايته بتلكم التربية الإيمانية الصوفية السنية النقية التي طبعت أبناءهما بطابع الصلاح والاستقامة وجعلت منهم ربانيين ورسخت فيهم معاني السمو والرقي الديني والإشراق الفكري والمعرفي في إطار الدفاع عن قيم الإسلام ومقدساته والجهاد من أجل إعلائه والتمكين له.
وقد حافظت أسرتنا العلوية الشريفة على هذا الإرث الديني الحضاري العالي ولم تفتأ تهتم بالتصوف السني ورجاله وقضاياه وتوطد الصلة بعلمائه والصالحين من أعلامه وتيسر لهم سبل العمل الراشد خدمة للإسلام وتقربا إلى الله تعالى بجليل الأعمال وحميد الأفعال وكان من أبرز الطرق الصوفية التي حظيت بوافر العناية وجميل الرعاية.. الطريقة التجانية السنية المرضية ولا أدل على ذلك من عظيم ما لقيه مؤسسها الشيخ أحمد التيجاني وذريته وأتباعه من المشايخ والمريدين من إعزاز وتكريم وتبجيل وتقدم ومساعدة وتدعيم من أجل نشر الإسلام وترسيخ قيمه وتعاليمه وبث فضائله ومكارمه وإسماع كلمته وإعلاء رايته خفاقة في ربوع إفريقيا وغيرها من الأقطار الإسلامية وذلك من لدن السلطان مولاي سليمان إلى جدنا أمير المومنين جلالة الملك محمد الخامس ووالدنا أمير المؤمنين جلالة الملك مولانا الحسن الثاني رضي الله عنهم وجعل الفردوس مثواهم.
حضرات السادة الكرام..
لقد كان والدنا جلالة المغفور له مولانا الحسن الثاني قدس الله روحه يولي اهتماما كبيرا وعناية بالغة ورعاية تامة للطرق الصوفية بصفة عامة والطريقة التيجانية بصفة خاصة وذلك بالتمكين لها ودعمها ماديا ومعنويا حيث أمر رحمه الله بتنظيم ندوة الطرق الصوفية ''دورة الطريقة التيجانية'' بفاس خلال شهر دجنبر 1985 تحت الرعاية السامية لجلالته قدس الله روحه.
ووجه رسالة ملكية سامية إلى المشاركين في الندوة تضمنت توجيهات نيرة وأراء سديدة ودررا غالية أبرز فيها طيب الله ثراه قيمة التصوف الإسلامي السني وأثره التربوي في نفوس المريدين وعامة المسلمين وأصوله النورانية المحمدية التي تجعل منه رافدا قويا خصبا من روافد الدعوة الإسلامية والتربية الدينية الإيمانية العالية التي يصاغ في ضوئها الأفراد صياغة ربانية فريدة تجعل منهم أمة واحدة متآخية متآزرة وصفا محكما مرصوصا وتعمق في نفوسهم معاني الأخوة والصفاء وتذكي فيهم روح الجهاد والدفاع عن القيم والمبادئ والسعي بالأمة الإسلامية نحو القمة السامقة والمرتقى الصاعد الشامخ في ظل الحضارة الإسلامية الخالدة.
كما تفضل جلالته رحمه الله بإسباغ رعايته السامية على تنظيم الأيام الثقافية للرابطة التيجانية بالسينغال في أواخر كل سنة ميلادية منذ سنة 1986.
حضرات السادة..
لا يخفى عليكم أن الطريقة التيجانية قائمة على الاقتداء بالرسول الأكرم سيدنا محمد صلى عليه وسلم واتباع هديه والتزام سنته وطريقته وملء الأوقات بذكر الله عز وجل والصلاة على نبيه المصطفى الكريم عليه افضل الصلاة أزكى التسليم والمواظبة على تلاوة كتاب الله العزيز والمحافظة على الصلوات مع الجماعة والإقلاع عن المعاصي والذنوب بالتوبة والاستغفار ولزوم الجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ملتزمة بالعقيدة الاشعرية ومتمسكة بالمذهب المالكي مما يسر الله به دخول الملايين في الإسلام.
وان بلادنا المملكة المغربية لمعتزة أيما اعتزاز بان يكون أحد أبناء المغرب الأبرار وعلمائه الأخيار العارفين بالله وهو الشيخ احمد التيجاني هو شيخ هذه الطريقة وقطبها دفين الزاوية التيجانية / الأم / بفاس وإننا على يقين صادق واقتناع عميق بان مشايخ ومقدمي ومريدي واتباع هذه الطريقة يبادلون هذا البلد وعرشه العلوي المجيد حبا بحب ووفاء بوفاء وإخلاصا بإخلاص.
حضرات السادة الكرام..
إننا لنحمد الله عز وجل أن وفقكم إلى تنظيم هذه الأيام الثقافية المباركة معربين لكم عن بالغ تأثرنا وجزيل شكرنا على ما وقع عليه اختياركم من جعل موضوعها مركزا على تأبين روح والدنا جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه مؤكدين لكم على أننا سنواصل دعمنا لهذه الطريقة السنية وعنايتنا واهتمامنا بمشايخها ومقدميها ولا يفوتنا في ختام هذه الكلمة أن ننوه بالعلاقة الطيبة الحميمة العتيقة التي تربط بين المغرب والسينغال وآثارها الحميدة على الإسلام والمسلمين في مختلف البلاد الإفريقية كما لا يفوتنا أن نعرب لكم عما نكنه لفخامة رئيس جمهورية السينغال أخينا الأعز عبدو ضيوف من عميق الصداقة وصادق المودة والمحبة أدامها الله صافية نقية طيبة زكية سائلين الله تعالى أن يوفقكم ويكلل بالنجاح أعمالكم ويلهمنا وإياكم الصبر والسلوان وان يسكن والدنا المنعم فقيدنا العزيز فسيح الجنان مع الذين انعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".